الجمعة، 23 مارس 2012

سنة أولى سيـــــــــــــــــــــــــــــــاسة

             شهور عديدة منذ أن لامست أناملي كيبوردي سعيا للقاءكم أحبتي و لكن للضرورة أحكام كما يقولون ، فبين سعي لرزق و إنقطاع لدراسة تتسرب الأيام من حياتنا و تجري السنون و نحن لا نشعر ، حتى إذا ما اشتعل الرأس شيبا تحسرنا على ماض و تساءلنا لِمَ لِمْ نقضيه بين أهلنا و أحبتنا؟؟  لِمَ لمْ نقضيه في الوطن؟؟ هل نحن المخطئون عندما نسعى لطلب الرزق و تحقيق الطموحات لتأمين المستقبل لنا ولأسرنا؟؟ أم أنه السلوك الطبيعي للإنسان ؟!
           تساؤلات كثيرة تدور في البال و كل يوم نحن في حال ، فتارة نؤمن بأن ما نفعله الآن هو الخيار الصحيح فيما يتعلق بتأمين المستقبل لنا و لأسرنا الصغيرة و تارة أخرى تعترينا مخاوف كثيرة تتراوح بين ايهما أولى؟ القلق على الوطن أم القلق على الأسرة ؟؟
           لكل رأي متبني و لكلٍ حسنات و مثالب ،على أن الوسطية لا غبار عليها و يختلف الخيار الصحيح بإختلاف الزمن ، فإذا ما كان الوطن مثخن بالجراح كما هو حال وطننا اليوم أعتقد والله أعلم ان الواجب أن نعمل كرجل واحد لتضميده و من ثم النهوض به ، فإذا ما وصلنا بر الأمان وجب علينا الإهتمام بأسرنا الصغيرة و تنشئة أطفالنا على حبه و الإهتمام به ، فبهم سوف ينهض و يتقدم.
 السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف الطريق إلى تطبيب جراح الوطن ؟؟
 ماهو المطلوب ؟؟؟
              حتى وقت قريب لم أكن من المهتمين بالسياسة لا من قريب أو من بعيد ، بل إنني و كما يقول أصدقائي من حزب البهجة حتى أكملت دراستي الجامعية و تخرجت إلى رحاب دنيا العمل و كنت ساعتئذٍ شاب طموح مقبل على الحياة بذراعيه و كلي ثقة في أن المستشفيات قد اكتسبت آس ماهر و مداوي لا يفوقه إلا ابن سينا و قليل ممن رحم ربي ..
              و لا أنسى جلوسي و والدتي معي و محاولتها إثناءي عن مغامرة العمل في الوطن بل وتشجيعها لي على الهجرة بأعجل ما يكون ، فرفضت بكل بساطة لقناعتي الراسخة بأن للأوطان في دم كل حر يد سلفت و دين مستحق. وكانت تنتهي نقاشاتنا دوماً إلى أن تدعو لي بالهداية و التوفيق !! و لشد ما تعجبت ، كيف تدعو لي أمي بالهداية و خياري هو الهداية كلها ؟! فما العيب في أن ترفض الهجرة و تختار وطنك مكانا وحيدا للحياة و البذل و العطاء و المنافسة بشرف ؟
          و كما تعلمون يا سادة يا كرام فإن الوظائف في بلادي لا يعلن عنها في الصحف ولا يتم الترشيح لها  عبر لجنة الإختيار للخدمة العامة بل هي أرزاق يرزق بها الله من يشاء من عباده بطرق لا نقول فيها إلا سبحان الله و له في خلقه شئون .
ولكن أحمد الله أن وظيفتي الوحيدة في السودان و إن لم تكن عبر الصحف إلا و أنها حمدا لله كانت بعد معاينة أجبت فيها على كل الأسئلة التي وُجهت لي ،و لا أخيفكم سرا إن قلت أنني لم يكن لي أدنى أمل في الفوز بتلك الوظيفة لظروف تعلمونها جيداً. فسبحان من يرزق من يشاء بغير حساب.
           لم تسعني الفرحة و أنا أقول لنفسي أن أمي أخطأت و أن الله يساعدنا في خياراتنا و إن كانت ضد رغبة الوالدين طالما هناك هدف أسمى.
ثم تسنمت سماعتي و توكلت على الحي الذي لا يموت و كانت أيام ..
اكتسبت مهارات عديدة و لي ذكريات اتمنى ان تسعفني الدنيا على ذكرها  وربما في يوم ما نأتي عليها و لكن خلاصة التجربة كانت إكتئاب نفسي كاد أن يوردني مورد التهلكة لولا لطف الله و رحمته فكان القرار بترك العمل و الجلوس في البيت لخلاصة مفادها أن العمل بهذه الطريقة و في هذا الجو سيقضي على حياتي قبل أجلها فكم من حي وهو ميت و لا يدري.
مضت أيام قليلة فقط و اكرمني الله بعملي الحالي الذي و على علاته يقيني شر الحاجة و السؤال و المذلة فكانت الغربة و ما أقساها...
و الغربة هي حالة جسدية و نفسية قد لا يفهمها إلا من يقاسيها و عندها فقط سألت نفسي السؤال الذي أطرحه عليك يا سيدي الكريم :
 ماهو السبب لكل الذي يحدث لنا ؟؟
  و إن كنت أنا من أوائل أقراني الذين هاجروا إلا أنهم لحقوا بي تباعا و منهم من ينتظر. فكانت أولى فوائد الغربة التي اكتشفتها أنها توفر لك زمنا للإطلاع و القراءة تفتقده بشدة في السودان سعيا خلف رزق أو قضاء لمجاملة ، و كانت رحلة البحث عن الحقيقة التي ماتزال متواصلة إلى لحظة كتابة هذه الخواطر.
  في خلال أول اسبوع توصلت إلى المعادلة الخفية التي تفسر كل ما يحدث لي و لك و لها و له و لهم و لهن في ربوع السودان الحبيب.  و أدركت حينها أن السياسة هي سبب هجرتي و سبب فقرنا و سبب زواجي و زواجك و سبب مرضي و مرضك و بشكل رئيسي هي العامل المساعد في كل التفاعلات التي تحدث من حولنا و لكننا فقط لا ندري ، و مردّ الجهل في هذا الشيء هو حقيقة الرسالة الخاطئة التي بعث بها آبائنا إلينا عند دخولنا الجامعة وهي : "إياكم و السياسة"!
لا أدري لِمَ يحذرنا أهلونا من السياسة و هي الطريق إلى نجاحنا !؟!
ففي اليوم الذي تنفست فيه نسمات السياسة أحسست فيه بالحرية ،فهي أي الحرية إحساس قبل أن تكون ممارسة أما  العبودية و الكبت الممارس علينا تنبع من ذواتنا و أهلنا القريبين قبل أن تكون من حكومة شمولية أو ديكتاتور عسكري. الحرية هي سلم و أول درجاته هي المعرفة و المعرفة هي سلسلة أولى حلقاتها القراءة ...
بغض النظر عن التساؤلات التي تدور في ذهنك فإن القراءة في السياسة تفتح لك أبوابا في الحياة لفهم أشياء ظنناها بعيدة كل البعد عن السياسة . فمع كل صباح وكوب القهوة إلى جانبك يكون مبلغ همك هو أن تدري كيف هو الحال اليوم في بلاد الغبش و كيف أصبح محمد أحمد ، و آمال تداعب مخيلتك وصلوات سرية و جهرية بأن يبدل الله من حال إلى حال لكن ما تلبث أحلامك أن ترتد إليك حسيرة و لكنك تعلم بأن الواحد الديان لا يرد الدعاء و بأنه حتما سيستجيب لصلواتك و لو بعد حين فلا تفقد الأمل وتُقبل تنهل من أخبار اليوم وتنشر على صفحتك في الفيسبوك يمنى ويسرى لتوسِّع معرفة من هم حولك فكل مقال تشاركه مع من هم حولك يزيد من فرص الخلاص و يقرب الحرية خطوة .
و تشتد بك الدهشة حينما تلاحظ مقدار الفرق في ردود الأفعال و التفاعل لمجتمعك الصغير من استنكار و تساؤل في البداية عن مالك و هذا يا صاح فلكل معركة فرسانها و لكل مضمار خيوله إلى مشاركة فاعلة بالتعليقات و الأخبار ثم بعد فترة ليست بالقصيرة تلاحظ أن بعض منهم قد بدأ مسلسل المعرفة الذي حتما و كلي ثقة بأنه سينتهي إلى ما هو خير.
ولا يخلو درب المعرفة من العوائق فتأتيك فواجع كل حين و آخر بعضها صغير و بعضها يزلزل كيانك ، منها ما يوقف مسيرتك لوهلة و منها ما يدفعك لمعرفة المزيد و يكون سببا لك لزيادة الحصيلة فتكتسب مهارة جديدة تكون لك عونا على مقبل الفواجع.
اليوم و انا اكتب هذا اعلم أن البعض سيقرأ العنوان و يرحل و أن البعض الآخر قد يقرأ إلى آخر الحديث و ينسى كما سيكون هناك جزء صغير جدا سيتفاعل بكتابة تعليق أو حتى مشاركة المقال مع صديق و قمة نجاحي هو عندما يكتب شخص واحد فقط مقال بناءاً على مقالي هذا ، فإن لم يكتب بناءا على مقالي هذا فقد يكتب ردا على فكرة أو مشاركة لك في مكان آخر فكن أنت التغيير الذي تريده في وطنك . 
غيّر وطنك بتغيير نفسك ، انتصر على الدكتاتورية الذاتية التي تحرمك من المشاركة في أشياء هي كل الخير لك و لوطنك ، أشياء قد تبدو تافهة أو فاسدة كالسياسة ... فقط إقرأ و لا تشارك ... إقرأ كل ما تجده إسلامويا كان أو شيوعيا فلا ضير عليك طالما لم تتوقف عجلة المعرفة عن الدوران و طالما لم تقتصر على ينبوع واحد تنهل منه معرفتك.
آخر كلامي هلموا بنا إلى بناء وطن يسعنا جميعا ، وطن يسعنا جميعا بإختلاف ألواننا و أشكالنا و دياناتنا ولا دياناتنا. وطن إسمه السودان.