الجمعة، 6 يوليو 2012

جمعة الخذلان

 أولا التحية لكل الشباب الذين اعتصموا اليوم في مسجد الإمام عبد الرحمن في ودنوباوي ، التحية لأفراد قالوا كلمة الحق في وجه سلطان جائر فلم ترهبهم التعزيزات و التهديدات و الرباطة ، التحية أيضا لجنود مجهولين أنا أعلم بأنهم خرجوا اليوم من بيوتهم بحثا عن مظاهرات حتى يشاركوا فيها فلج يجدوا ما يرضيهم و عادوا إلى بيوتهم و الإحباط يملأهم.
ثم أما بعد ، وددت لو كنت أملك من الشجاعة ما يمكنني من القول بالفم المليان أنها كانت جمعة فاشلة بكل ما تحمل كلمة الثورة من معاني ، فوالله احتجاجات طلاب جامعة الخرطوم للمطالبة بعودة إتحادهم في عام 2002 كانت أكثر عنفا منها ، فقد شهدنا فيها العسكر وهم يدخلون المسجد بأحذيتهم و يجرون الطالبات جرا خارجه و يمطرونهم بالسياط كما شاهدناهم و هم يعتدون على نائب عميد كلية الطب في ذلك الوقت  الدكتور صلاح و الدكتور عمار الطاهر العميد الحالي لكلية الطب بالضرب و الركل و مع ذلك لم يخرج أحد ليقول إنها الثورة ....!! فمالذي يحدث ؟؟

كما اود أيضا ان اعتذر مقدما إذا أصاب رشاش من قلمي بعض قرائي، لكن الموضوع بعيد عن الشخصنة . الموضوع ببساطة شديدة .يختص بشعب و حالته ، كل شخص فينا له  رؤيته و فكرته و حلوله التي يقتنع بأنها صحيحة و دعونا نتفق على أن نختلف.
شاهدنا في ثورة اليوم كما نحب أن نطلق عليها 150 معتصمين في مسجد الإمام عبدالرحمن في ودنوباوي يتعرضون لحصار خانق من الرباطة و شرطة النظام ، شاهدنا قذف البمبان داخل المسجد ثم إصطياد من يخرج من النشطاء للخارج ، ثم شاهدنا دعوات و استنجاد بالأحياء المجاورة لنجدة المواطنين و المواطنات داخل المسجد ، كما سبحان الله شاهدنا أيضا فتية يلعبون كرة القدم أما نفس المسجد المحاصر و كأنهم ليسوا من هذا الشعب.
أنا رأيت أن كل الشعب هو من لعب كرة القدم اليوم و أن قلة قليلة هي التي كانت الإستثناء، لماذا ؟؟

 أقول  ببساطة لأن 150 المعتصمين هم الوحيدين الذين خرجوا الليلة في حين التزم بقية الشعب منازلهم بالكامل في موقف أقل ما يمكنني أن أقول عليه الجبن أما لاعبي كرة القدم فهم قمة الإحباط عندما تلعب كرة قدم أمام إخوتك و هم يدافعون عن حقك في لقمة العيش الكريمة. 150 في كل العاصمة القومية هم فقط من خرجوا و التزموا و الباقيين متفرجين ، فتأمل. 
أما فيما يختص بذهاب النظام فأنا متأكد بأنني مازلت على  قناعةً تامة بذهابه و معظمكم يشهد لي بذلك فما فتئت أٌبشر بذهابهم منذ عامين و نيف ولو راجعتم التايم لاين لأدركتكم كذلك ، بل أن مجموعة من المتحدثين هنا طالما وقفت لي بالمرصاد لتقول أن الأمور على ما يرام و أن النظام باق لأنه الحل الوحيد للسودان و السودانيين ، على الأقل في الوقت الحالي أو كما يقولون. 
أما الآن فازدادت قناعتي بذهاب النظام إلا أنني ما عدت اثق في أننا لنا القدرة على إقتلاعه في هبة شعبية كما كنا نأمل . سيذهبون لعدة أسباب أولها تنازعهم هم أنفسهم فيما .بينهم و آخرها الذي تختلفون فيه معي هو لجبننا.
قبل ساعة أو أقل كنت أتكلم مع أحد أقربائي في الحكومة وهو دستوري ، وبرغم إختلاف وجهات نظرنا السياسية إلا أن أواصر القربى و المودة بقيت بيننا قوية جدا فلا زلنا نتواصل مع بعضنا بصورة شبه ثابتة. مازحته قائلا : شايف الجماعة عاصرنكم !! فرد علي بحنق و غضب والله العظيم أول مرة أسمعه منه : ديل ناس ما جادين ياخ !! ثم أردف: والله كلنا مؤمنيين بالتغيير و بالوضع الصعب لكن ياخ خليهم يعملوا ليهم مظاهرة جادة شوية عشان نحن زاتنا نعرف نساعدهم !!! ثم تفرع الحديث و تشعب إلى تفاصيل ليس هذا المكان المناسب لذكرها.

ما أود قوله هو : أكرر بأن الموضوع ليس عني أنا أو عنك أنت قارئي العزيز ... الموضوع عن حالة عامة تسودنا. و كلنا متفقين على أن عدونا واحد و على حتمية التغيير . إلا أن إختلافي معكم هو في جدواه إذا استمر بالطريقة الحالية ، و هي نظرية معروفة في العسكرية إسمها : الحماس بيغطي على الغلط. و التي في النهاية غالبا ما تنتج عملا مشوها مليء بالأخطاء و التناقضات. 

فمن الواضح تماما بأن هذا الشعب لا يزال في غيبوبة تامة عن واقعه بسبب اللبانة التي يلوكها و هي الثورات السابقة . وأقول لهم هذا عهد جديد و حياة جديدة و نظام جديد ، من المحال ان نصل إلى نفس النتائج إذا استمر العمل بهذه الطريقة. دعوني أقول ليكم شيئا واحدا أنا متأكد منه و الله أعلم منا جميعا وهو أن الجمعة القادمة لن يخرج أحد . هذا ليس رجما بالغيب بل هو قراءة بسيطة لما تسير عليه الأمور.
يجب علينا أن لا ندفن رؤوسنا في الرمال و نتجاهل أخطاءنا ومشاكلنا لنطمئن انفسنا بالنجاح ... يجب علينا أن نعرف نقاط ضعفنا و نقاط قوتنا حتى إذا ما تملكناها عرفنا كيف هو الطريق الأمثل لاستغلالها.
لو كنا نخاف من المظاهرات و الضرب و السخانة ، لا مشكلة في ذلك البتة ، فلنسلك طريقا آخر غيرها و لنعمل على توعية الشعب الخائف بطريقة تكفل له حياته و حياة أطفاله و في نفس الوقت قد تؤدي إلى إسقاط النظام و لنا في العصيان المدني خير مثال.

فيما رأيته في الأيام الماضية فقط من إنتكاسات و تخاذل ، سيذهب النظام من تلقاء نفسه ، تماما كما جلس الجن يعمل مسخرا في خدمة نبي الله سليمان لمدة 300 عام و الذي لولا دابة الأرض لظل يعمل إلى يومنا هذا فسبحان الذي جعلنا مسخرين و خانعين و خائفين لصالح نظام أقل ما يمكنني قوله أنه مات منذ عام و نصف أو على الأقل يوم إعلان الإنفصال و لكن كيف ندري !؟ 
شعبنا الذي آراه سينتظر مليشيات نافع و علي عثمان تخرج إلى الشوارع لتقتتل فيما بينها و تبيد بعضها عما آخره حتى إذا ما أجهزوا على بعضهم البعض خرجنا إلى الشوارع لندعي الثورة الثالثة و تكتب في كتب التاريخ و ندرسها لأطفالنا كيف أننا اقتلعنا 
نظاما شموليا و نصدق كذبتنا التي سوف ندعي. 


و الأيام بيننا ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق